المنبر الاقتصادي (QNB) – أثار ضعف النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الماضي تساؤلات حول مدى سلامة الأوضاع العامة للاقتصاد الصيني، فقد ظلت الصين لعقود المحرك الرئيسي للنمو العالمي. في الواقع، منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-2009، كانت الصين مسؤولة عن حوالي 40% من إجمالي التوسع الاقتصادي العالمي. وفي كل عام على مدار الأعوام العديدة الماضية، أضاف نمو الاقتصاد الصيني إلى المنظومة الاقتصادية العالمية مبلغاً يساوي إجمالي الناتج المحلي لأحد الاقتصادات الرئيسية في مجموعة العشرين.
ولكن خلال الأرباع العديدة الماضية، أدت عوامل محلية مختلفة إلى تباطؤ اقتصادي شامل في الصين. وكان ذلك مدفوعاً بسياسة صفر حالات كوفيد مع عمليات إغلاق في المدن الرئيسية، وتقييد الإقراض المصرفي للقطاع العقاري المثقل بالديون، وفرض قيود تنظيمية صارمة على القطاعات ذات الصلة بالتكنولوجيا. نتيجة لذلك، انخفض النمو المتوقع للصين خلال عام 2022.
تطور توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2022
على الرغم من الزخم السلبي، هناك إشارات مبكرة على أن الاقتصاد الصيني قد يكون على وشك الانتقال إلى مرحلة التعافي. ويبدو أن مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع في الصين، وهو مؤشر قائم على الاستطلاعات يقيس ما إذا كانت العديد من مكونات النشاط قد تحسنت أو تدهورت مقابل الشهر السابق، قد وصل إلى أدنى مستوياته في أبريل 2022. ولا يزال مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع في الصين أقل من 50 نقطة، وهي العتبة التي تفصل تقليدياً بين التغييرات الانكماشية والتوسعية في أوضاع الشركات، لكنه بدأ يتسارع في الأشهر الأخيرة، على الرغم من الموجات الجديدة من حالات كوفيد-19.
مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع في الصين
ولكن من وجهة نظرنا، من المتوقع أن يكون التعافي الدوري القوي في الصين مدفوعاً بأربعة محاور رئيسية خلال الأشهر المقبلة.
أولاً، تتخلى الصين بسرعة عن سياسات صفر حالات كوفيد، المتمثلة في عمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة التي تهدف إلى كبح موجات حالات الإصابة الجديدة بالفيروس. ويتم دعم ذلك من خلال تطوير لقاحات الحمض النووي mRNA الصينية الجديدة بالإضافة إلى توفير أدوية فعالة مضادة للفيروسات. ويعزز القرار الأخير لمجلس الدولة بإضفاء المرونة على متطلبات الحجر الصحي وحث المواطنين المسنين على الحصول على التطعيم والجرعات المعززة بوتيرة أكبر هذا التحوّل في السياسة. وعليه، يتعين أن يضمن هذا الأمر عمليات “إعادة انفتاح” أكثر استقراراً، مما يسمح للنشاط الاقتصادي باكتساب المزيد من الزخم.
ثانياً، تقوم الصين أيضاً بتغيير موقفها تجاه سياسة الاقتصاد الكلي من الحياد إلى الدعم أو التيسير. وأصبح صانعو السياسات الصينيون أكثر قلقاً بشأن التباطؤ الاقتصادي المحلي وبدأوا في تخفيف القيود بشكل أكثر قوة. تشمل الإجراءات الاقتصادية حتى الآن بضع جولات من خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة والإنفاق المالي في مشاريع البنية التحتية. وهذا يدعم الطلب الكلي والنشاط الاقتصادي العام.
ثالثاً، بدأ صانعو السياسات الصينيون في التوقف عن الترويج لعمليات التخفيض الحاد لديون شركات التطوير العقاري الكبرى. وقد تسبب تشديد شروط منح الائتمان للمشاريع العقارية في ضائقة ديون في هذا القطاع، وهو ما يهدد النظام المالي المحلي الأوسع. في نوفمبر 2022، أصدرت الجهات التنظيمية خطة شاملة لدعم القطاع العقاري. وتضمنت الخطة تحريراً كبيراً لشروط ملكية العقارات في مدن معينة وتدابير دعم مالي للمطورين الذين يواجهون مشاكل في السيولة. وهذا من شأنه أن يعزز الثقة في القطاع ويسمح بمزيد من الاستثمارات.
رابعاً، تتخلى السلطات الصينية عن التغييرات التنظيمية المفتوحة في القطاعات التكنولوجية الرئيسية. على مدى الأرباع العديدة الماضية، أدت المراجعات التنظيمية الشاملة في بعض الصناعات، مثل التعليم الخاص، والتكنولوجيا، والتجارة الإلكترونية، وتوصيل الطعام، وسيارات الأجرة، إلى خلق حالة من عدم اليقين الحاد لدى الشركات، مما أدى جزئياً إلى منع الاستثمارات الجديدة والابتكار في الأنشطة ذات الصلة. ولكن السلطات بدأت في الأشهر الأخيرة في إنهاء مراجعاتها التنظيمية، وتقديم إرشادات أوضح للشركات وإصدار المزيد من التراخيص الرسمية للعمل للشركات المهمة التي كانت تعمل سابقاً وفقاً لضوابط “غير واضحة”. وهذا يقلل من عدم اليقين لدى الشركات ومن شأنه أن يبدأ في دعم الاستثمارات والابتكار في القطاع الخاص.
بشكل عام، ينبغي للتغييرات السياسية الرئيسية في مجال الرعاية الصحية والعقارات وتنظيم الشركات أن تعزز التعافي الدوري في الصين، مما سيدفع معدلات النمو إلى مستويات تفوق إجماع التوقعات لعام 2023. في الواقع، بينما تشير التوقعات إلى تحقيق نمو بنسبة 4.9% في الصين هذا العام، نتوقع أن نرى توسعاً أكبر في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تبلغ نسبته 5.5% خلال نفس الفترة.