المنبر الاقتصادي (الدورة 37 لأيام المؤسسة) – افتتحت وزيرة التجارة اليوم الجمعة 8 ديسمبر 2023، الدورة 37 لأيام المؤسسة التي انطلقت اليوم بسوسة:
بسم الله الرحمان الرحيم
*-*-*-*
حضرات السيدات والسادة،
إسمحوا لي في بداية هذه الكلمة أن أثمّن دور المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تبني الحوارات المتعلقة بالمواضيع ذات الطابع الاقتصادي، بما يُساهم بشكل جوهري في إنارة توجهات السياسات الإقتصادية والإجتماعية وطرح الخيارات المتاحة للقيام بالإصلاحات الضرورية من أجل تنمية مستدامة ومندمجة لبلادنا.
وأريد بهذه المناسبة باسم الحكومة التونسية، أن أُطمئن كل رجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين الذين يعملون في كنف احترام القانون، والحدد لله فهم الأغلبية الساحقة، أنّ الدولة التونسية ستبقى تدعمهم بكل الوسائل المتاحة وتوفر لهم مناخ أعمال إيجابي حتى يساهموا في خلق الثروة وتنمية البلاد.
كما أنّ الحكومة ماضية قُدما في القيام بما يلزم لتوفير ممهّدات النجاح للاستثمار الخاص وإعطاء الثقة لرجال الأعمال التونسيين والأجانب حيث أنّ الاستقرار الذي تتمتع به بلادنا الى جانب القوانين والحوافز والبرامج توفّر كلّ الظروف المواتية للمبادرة الخاصة.
وأريد أن أنوه في هذا السياق بما تقوم به وزارة التجارة وتنمية الصادرات لحماية النسيج الاقتصادي الوطني من كل ما من شأنه أن يضر بهذا النسيج من خلال آليات الدفاع التجاري والمضي في مراجعة وتطوير الاتفاقيات التجارية الثنائية التي تتسبب في انخرام الميزان التجاري وتهدّد الصناعة المحلية بما يضمن استدامة المؤسسات التونسية وتحسين قدراتها التنافسية.
حضرات السيدات والسادة،
إنّ اختيار موضوع الدورة 37 لأيام المؤسسة تحت عنوان «المؤسسة والطابع غير الرسمي … التهميش والحلول العالقة «يعكس حرص جميع الأطراف من شركاء هذا الوطن في القطاع العام والخاص، على ضرورة تشخيص والتعمق في دراسة معظلة قديمة جديدة، تلقي بتداعياتها على التوازنات المالية والإقتصادية والإجتماعية للدولة وللفاعلين الإقتصاديين.
أقول قديمة جديدة، لأننا كنا نتحدث عن التجارة الموازية والانتصاب الفوضوي كعنصر بارز لهذا الموضوع، وأصبحنا نتحدث اليوم عن مفاهيم جديدة مثل الاقتصاد غير المنظم أو الإقتصاد الموازي أو أبعد من ذلك “الطابع غير الرسمي للأنشطة الاقتصادية”.
قد لا نتفق على مفهوم واحد لهذه المعظلة، ولكن من الواضح أنها تشمل جميع المعاملات والأنشطة التي لا تُسجل في الحسابات الرسمية للدخل الوطني وفي مؤشرات الاقتصاد الكلي وتتهرب من الواجبات التي تفرضها التشريعات، في حين أنها تستفيد من الخدمات المحمولة على المجموعة الوطنية.
ومهما كانت المُسمّيات، فلا شكّ في أنّ حلقات النقاش هذه تمثل فرصة لتوحيد الجهود والبحث في الأسباب العميقة لهذه الظواهر وسبل التصدي لها او استقطابها لتنضوي في المسالك القانونية وإرساء مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد التي تدخل تحت طائلة “الطابع غير الرسمي”.
ربما المجال لا يسمح لذكر جميع الأسباب التي تدفع بالأفراد إلى ممارسة الأنشطة في القطاع غير الرسمي، فضلا عن كونها محور عديد الدراسات والمقالات الأكاديمية والمنشورات الإحصائية. ولكن سأتوقف عند أحد أهم هذه الأسباب في علاقة بالبيروقراطية والتعقيدات الإدارية.
والحكومة واعية تمام الوعي بهذه الإشكالية، ولديها سعي حقيقي لتقليص العبء الإداري المفروض على المؤسسات والافراد وتحسين جودة الخدمات العمومية، وتيسير المعاملات الإدارية. ولعل من أبرز الإجراءات التي تمّ إتخاذها في هذا الإطار، ما جاء في الأمر الحكومي المتعلق بإرساء مسار لمراجعة الإجراءات الإدارية المستوجبة على المتعاملين مع الإدارة، والذي يهدف إلى مراجعتها في اتجاه التبسيط والرقمنة وتيسير النفاذ الى المعلومة وتكريس اللامركزية في اسداء الخدمات الادارية … ويجري العمل حاليا على استكمال هذا المسار
وفي نفس هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تطبيق المرسوم الحكومي عدد 777 مؤرخ في 5 أكتوبر2020 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها وفيما بين الهياكل، قد أفضى إلى إصدار جملة من القرارات التي تضبط قائمة أولى من الوثائق، والتّي يتعيّن تبادلها إلكترونيا بين الهياكل العمومية، وإعفاء المستثمرين والمؤسّسات الإقتصادية من مطالبتهم بتقديم هذه الوثائق لمعالجة مطالبهم المقدّمة للحصول على خدمة إدارية في علاقة بإنجاز الاستثمار أو على ترخيص لممارسة نشاط اقتصادي أو لبعث مؤسّسة اقتصادية أو عند الإدلاء بتصريح استثمار…
[شملت هذه القرارات 78 وثيقة تخص مصالح 9 وزارات ذات علاقة مباشرة بالمؤسسة الاقتصادية: المالية والاقتصاد والتخطيط والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والبيئة وتكنولوجيات الإتصال والسياحة والتجهيز والإسكان. في إنتظار توسيع قائمة الوثائق، التّي يمكن أن تصبح موضوع تبادل إلكتروني لتشمل بقية الوزارات: الصناعة والمناجم والطاقة والتجارة وتنمية الصادرات والنقل ومؤسسة السجل الوطني للمؤسسات].
أمّا فيما يتعلق بدور الأسواق ومسالك التوزيع في الحدّ من التجارة غير المنظمة وتعزيز المنافسة الشريفة وشفافية المعاملات، فإننا واعون بأهمية هذا الدور خاصة في الجهات، ونعمل على تطوير أداء مسالك توزيع منتوجات الفلاحة والصيد البحري عبر احداث أسواق مهيكلة ونموذجية تمكن من النهوض بجودة المنتجات الفلاحية وهو ما من شأنه أن يثبت الفلاح واليد العاملة ويحدث مواطن شغل وينشط الحركية الاقتصادية،على غرار: القاعدة التجارية بسيدي بوزيد (بصدد الانجاز) والقاعدة التجارية بباجة .
هذا الى جانب تعزيز أعمال المـراقبة المشــتركــة لمسالك التوزيع (منتوجات الصناعات التقليدية، المسالك السياحية ومحيطها البشري، المظاهر غير العادية: الانتصاب الفوضوي/ التجارة الموازية/ التقليد).
كما يجري العمل على تطوير أساليب التسيير والتصرف في الأسواق وتشريك الخواص بإعتبار أهمية حجم الإستثمارات (إحداث شركات تسيير وتصرف والتفكير في إحداث شركات أهلية في بعض المناطق لفائدة صغار المنتجين الفلاحين).
دون أن ننسى مراجعة الإطار القانوني والترتيبي الحالي لإحتواء جميع المسالك ومزيد تنظيمها وتطويرها،
ولا يمكن الحديث عن شفافية المعاملات في مسالك التوزيع بمعزل عن دور الأجهزة الرقابية بمختلف هياكلها.
وهنا أريد التأكيد على مسألة محورية، الجهاز الرقابي بما فيه من نقائص وهنات، الى جانب تعدد واجهات التدخل ومحدودية الإمكانيات الا أنه استمر لسنوات وهو بمثابة الصمام الوحيد في محاربة القطاع غير المنظم، ولكن تشعب هذا القطاع وتفرعه وتطور أساليبه يفرض علينا التسريع في اعتماد الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في أنظمة المراقبة والحد من التداول النقدي للمعاملات التجارية.
فمثلا إذا لم يتم تعميم أنظمة الدفع الإلكتروني فإنّ قرار الحدّ من سقف التداول في عمليات البيع والشراء لن يفي بوعوده.
كذلك فيما يتعلق بمسالك التوزيع، إذا لم يتم تعميم المنظومة الاعلامية المتعلقة بالوزن الالكتروني والفوترة بالإعلامية بكافة اسواق الجملة لمنتوجات الفلاحة والصيد البحري، فإنّ مسألة التصنيف والإسترسال لا يمكن تعقبها مهما كان عدد المراقبين.
والأمثلة كثيرة في هذا السياق، هذا حتى لا أطيل عليكم أكثر.
حضرات السيدات والسادة،
أريد أن أؤكد في هذا الإطار، بالإضافة الى ما أسلفت ذكره، على أنّ الوزارة تُولي أهمية كبيرة لدفع إنجاز المشاريع الداعمة للنشاط التجاري واستيعاب العاملين في التجارة الموازية على غرار تأهيل معبر رأس جدير في إطار مشروع الممر التجاري البري الليبي نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الذي سيتكامل مع مشروع إنشاء المنطقة الحرّة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان وبقية المناطق الحرّة التجارية المُزمع إحداثها على الحدود التونسية الجزائرية.
كما أنه وفي مجال التجارة الخارجية تعمل الوزارة وبالتنسيق مع كافة الهياكل والوزارات المتدخلة على إستكمال مشروع رقمنة كل إجراءات التصدير والتوريد والتي تشمل إجراءات المراقبة الفنية والإجراءات الديوانية والمالية وإجراءات النقل واللوجستيك وهو مشروع ضخم من شأنه المساهمة في تسريع المعاملات وتقليص الكلفة والحد من البيروقراطية، كما يكرس الشفافية في الممارسات التجارية والحد من عمليات التهريب تحت أي غطاء قانوني وذلك بفضل ما توفره الرقمنة من إسترسال للعمليات ومرونة في التّصرف في المخاطر، هذا فضلا عن إحداث بوابة للتجارة الخارجية (
www.pce.tn
)تتضمن كل ما يحتاجه المصدر من معلومات حول الإجراءات والشروط المتعلقة بعمليات التصدير والتوريد إضافة إلى معطيات حول الإتفاقات التجارية التي أمضتها تونس مع شركائها الإقتصاديين، كما تستوعب هذه البوابة خدمات SOSexport على الخط وهي شبكة من المتدخلين من كافة الإختصاصات في العملية التصديرية قادرة على التدخل وفض الإشكاليات العالقة في العملية التصديرية في كل المستويات وذلك حتى لا يتم محاججة الإدارة بدواعي عدم فهم الإجراءات وعدم توفر المعلومة خاصة في عمليات التوريد العشوائي.
حضرات السيدات والسادة،
في الختام أودّ أن أشير فقط إلى أهمية الإصلاحات بعيدة المدى بالنسبة للأجيال القادمة، وهي الإستثمار في التعليم الذي يرفع المستوى العلمي للفرد ويقيه مخاطر الارتماء في براثن القطاع غير المنظم والتهريب. وكذلك دعم قيمة العمل واحترام القانون داخل المجتمع من أجل الرفع من روح المسؤولية وإلانتماء للوطن لدى الناشئة.
ونحن نعول على تجاوب مختلف القطاعات المجتمعية والمهنية في تخطي الصعوبات والبناء من أجل إرساء غد مشرق لبلادنا..